كان أحد الشبان يشتكي من ضيق وقته، ويعجب لاُولئك الأصدقاء الذين يدرسون ويمارسون هواياتهم ويلتقون بأصدقائهم، والوقت هو الوقت.
ذات يوم طرح هذا السؤال على بعضهم ، فقال له : الأمر بسيط.. نظّم وقتك يتّسع!
لهذا السبب قسّمت بعض الأحاديث الوقت إلى ساعات ، والساعة هنا هي الوحدة الزمنية وليست الستّين دقيقة ، أي أن يكون هناك وقت لكل عمل . ومنها ما ورد عن عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) : «للمؤمن ثلاث ساعات : فساعةٌ يناجي فيها ربّه ، وساعة يرمُّ فيها معاشـه ، وساعة يخلّي بين نفسه وبين لذّتها فيما يحلّ ويجمل» . وأضافت بعض الأحاديث ساعة اُخرى للقاء الإخوان الثقاة الذين يعرفوننا عيوبنا ، وعلّقت على ساعة الملذّات بالقول : وفي هذه الساعة تقدرون على تلك الساعات .
ومع أنّ هذا التقسيم يعطي لحاجات الإنسان الأساسية أوقاتاً معيّنة لا يصحّ أن تُغفل أو تهمل ، إلاّ أنّه ليس وصفة جامدة ، فقد تتعدّد احتياجات الإنسان وتزيد على ذلك ، لكنّ الغاية من تقسيم الوقت تنظيمه فلا يطغى عمل على عمل ، أو يستهلك عمل الوقت كلّه فيما تبقى الأعمال الأخرى من غير إنجاز أو نصف منجزة .
فالعمل لكسب لقمة العيش مطلوب كحاجة مادّية ، والتقرّب إلى الله بالعبادة والذكر مطلوب كحاجة روحية ، واللقاء بالإخوان مطلوب كحاجة اجتماعيـة ، وساعة الملذّات مطلوبة أيضاً كحاجة نفسـية ، ويمكن أن تكون إلى جانب هذه الساعات ساعة مهمّة أُخرى لطلب العلم كتلبية لحاجة عقلية وفكرية .
المهم أن يكون هناك توازن بين هذه الأوقات بحيث لا تستغرقنا أعمال الدّنيا فتنسينا أعمال الآخرة ، والحكيم فينا من يجعل أعماله كلّها طاعة لله سبحانه وتعالى حتّى الدنيويّ منها ، أمّا الذي يجلس إلى الحاسوب من دون أن يقرّر سلفاً الوقت الذي يجب أن يصرفه في جلسته تلك سيجد نفسه وقد مرّت الساعات وهو مسمّر مشدود إلى هذه الشاشة الصغيرة الساحرة المغرية .
والذي يفتح أبواب اللقاء مع الأصدقاء على مصراعيها سيرى أنّ الحديث يجرّ بعضه بعضاً ، وأنّ اللقاء الذي كان بالإمكان أن يتمّ في نصف ساعة استمر لساعتين أو لساعات .
إنّ تنظيم الوقت كما تعلّمناه من مواقيت الصلاة ومواعيد الصيام والإفطار وأيّام الحجّ المعدودات يقدّم لنا الفوائد التالية :
1 ـ سعة في الوقت وبركة غير معهودة سابقاً ، أي قبل التنظيم.
2 ـ يطرد عنّا التشويش والفوضى التي نعيشها في تداخل الأوقات والتقصير في بعضها.
3 ـ يمنحنا شخصية محترمة من قبل زملائنا وأصدقائنا والمحيطين بنا.
4 ـ يجعلنا نعيش حالة من الرضا النفسي والسعادة الذاتية بما أنجزنا.
5 ـ يجعلنا نتحكّم بالوقت ولا نترك الوقت ليتحكّم بنا.
برنامج عمل :
بإمكان كلّ واحد منّا أن يضع له ورقة عمل يدرج فيها برنامج عمله اليوميّ ، مع ضرورة استشعار الجديّة في الالتزام ببنود البرنامج وإلاّ يصبح حبراً على ورق . إنّ هذه الطريقة تعلّمنا ما يلي :
1 ـ نظم الوقت فلا يتبعثر في الاستطرادات والنهايات السائبة والاستغراق في عمل واحد بحيث يؤثّر في النتيجة على باقي الأعمال .
2 ـ الورقة المذكورة تعمل عمل المفكرة التي تذكّرك بأنّ ثمة أعمالاً تنتظرك ، وعليك إنجازها ، وعدم تأجيلها ، لأنّ الغد سيحمل لك قائمة أعمال أُخرى جديدة ، وأي ثوان في برنامج اليوم سيزحف بتأثيره على برنامج الغد .
3 ـ يمكن إعطاء وقت ولو أوّلي لكل عمل ، وقد يبدو هذا متعذّراً لأنّ بعض الأعمال لا يمكن تقدير وقتها بالضبط والدقّة ، لكنّ ذلك مع الأيّام سيصبح عادة جميلة نعتادها ونتذوّقها .
4 ـ لا بأس من ترك وقت نصطلح عليه بـ ( الحرّ ) تحسباً للطوارئ من الأُمور غير المتوقعة .
ولمّا كانت مسـؤوليتنا ـ كمسلمين ـ غير منحصرة في أعمالنا الدنيوية ، فإنّ برنامجنا الإسلاميّ الذي لا يعدّ ـ كما ألمحنا ـ برنامجاً منفصلاً عن برنامجنا المعتاد إلاّ في بعض الفرائض ، يمكن أن ينظّم على النحو التالي الذي ذكرهُ أحد الأدعية :
«... ووفّقنا في يومنا هذا ، وليلتنا هذه ، وفي جميع أيّامنا لاستعمال الخير وهجران الشرّ ، وشكر النعم ، واتباع السنن ، ومجانبة البِدع ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحياطة الإسلام ، وانتقاص الباطل وإذلاله ، ونصرة الحقّ وإعزازه ، وإرشاد الضالّ ، ومعاونة الضعيف ، وإدراك اللهيف» .
ورغم أنّ هذا البرنامج حافل بالأعمال الصالحات ونبذ السيِّئات ، لكنّه ليس بالضرورة أن يكون برنامج عمل ليوم واحد، إنّه يوم إسلاميّ مثالي أو نموذجيّ يحتاج إلى همّة وعمل منّا وتوفيق وتسديد من الله تبارك وتعالى .
ويمكن تقسيم هذا البرنامج إلى جانبين : إيجابي وسلبي .
أوّلاً : الإيجابي (ويتضمّن النقاط والمفردات التالية) :
1 ـ (استعمال الخير) : بأن لا يكون مجرّد نزعة عاطفية ميّالة للعمل ، وإنّما يتحوّل إلى عمل يدرّ بنفعه على الآخرين .
2 ـ (شكر النعم) : بمقابلة الإحسان بالإحسان ، والجميل بالجميل ، والمعروف بالمعروف ، فمن لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق ، وأفضل الشكر العملي : (اعملوا آل داود شكرا ) ( سبأ / 13 ) .
3 ـ (اتباع السنن) : لأنّ هذا هو الصراط المستقيم الذي جاء به النبي المصطفى (ص) : (قُل إن كُنتُم تحبّون اللهَ فاتّبعوني يُحببكم الله )( آل عمران / 31 ) .
4 ـ (الأمر بالمعروف) : لأنّه السبيل إلى زيادة رقعة المعروف وانتشار الصلاح والخير في المجتمع ممّا ينعكس إيجاباً على سعادته وقوّته وصلاحه .
5 ـ (حياطة الإسلام) : بأن نذبّ عنه وندافع ونحامي عمّا جاء به ، لأنّه رمز عزّتنا ، وصلاح أمرنا ، وديننا الذي يمثِّل وجودنا وهويّتنا .
6 ـ (نصرة الحقّ وإعزازه) : إعزازه إن كان سائداً بحيث نشيعه في الأرجاء أكثر فأكثر ، ونصرته إذا تهدّده باطل .
7 ـ (إرشاد الضّالّ) : بهدايته بمختلف أساليب الهداية إن كان ضلّ عن الطريق السويّ المستقيم ، وإبلاغه مأمنه إن كان ضلّ طريقه إلى مقصده .
8 ـ (معاونة الضّعيف) : بما وهبنا الله تعالى من قوّة في مال أو جاه أو علم ، ذلك أنّ من مقتضيات التصديق بالدين هو تقديم المعونة لمن يحتاجها : (فَويلٌ للمصلِّين * الّذينَ هُم عن صلاتِهِم ساهون * الّذينَ هُم يُراءون * ويَمنعونَ الماعون ) ( الماعون / 4 ـ 7 ) .
9 ـ (إدراك اللّهيف) : وهو صاحب الحاجة الذي يشبه الأعمى لا يرى إلاّ قضاءها ، فتردّ لهفته بقضاء حاجته .
ثانياً : السلبي (ويتضمّن المفردات التالية) :
1 ـ (هجران الشرّ) : فترك الشرّ إفساح في المجال للخير أن ينتشر ويعمّ ويشيع ، ونضيِّق على الشرّ لكى يتقلّص وينحسر .
2 ـ (مجانبة البدع) : لأنّ البدع بما هي إدخال ما ليس في الدين بالدين مسخٌ للتعاليم الإلهيّة والسنّة النبويّة وتحريف لها، وحشر ما لم يقله الله ورسوله في الدين والدين منها براء .
3 ـ (النهي عن المنكر) : بأيّة وسيلة سواء كانت يدأ أو لساناً أو قلباً حتّى لا يشعر أهله بالقوّة فيبسطوا منكراتهم على الناس ، ومثله انتقاص الباطل وإذلاله ليحشر في الزاوية الضيِّقة .
إنّ الملاحظ على هذا البرنامج بشقّيه ، الإيجابي والسلبي ، أنّه يوجد حالة من التوازن في حركة الشبّان المسلمين ، هادمة للمساوئ وبانية للخيرات ، ولذا جاء في وصف المؤمن «الخير منه مأمول والشرّ منه مأمون» .
0 commentaires: