مشروع إستثماري صيفي للشباب

مشروع إستثماري صيفي للشباب
* د. محمد بديع
ربّما يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم أنّ المقصود هو الإستثمار المادي، ولكني قصدت إستثماراً ضخماً وعائداً أكبر، لو أحسنّا الإنتفاع به فسنكون بإذن الله من الرابحين في تجارة لن تبور.
وأحب أن أوضح بعض النقاط بين يدي هذا المشروع الصيفي:
- أوّلاً: إنّ الشباب قد ملَّ أسلوب النصح والتوجيه والأمر والإلزام الذي يُفرض عليه من الكبار، ولكن المدخل الذي يفتح له الشباب والفتاة قلبه هو مدخل الحب، وهذا هو ما يجب أن ننبه إليه الناصح والمنصوح؛ لأنّ رسول الله (ص) يقول لنا: "أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه وأحبوني بحب الله".. أي أنّ المدخل إلى طاعة الله ورسوله هو مدخل الحب، وهو أظهر ما في الحديث القدسي عن رب العزة: "أتودد إليهم بنعمتي..". فهيا نمش على بساط حبنا لكم يا بنيَّ، ويا بنيتي، ويا أخي ويا أختي.
- ثانياً: رفضكم لوصايا الكبار عليكم؛ لأنّكم تريدون إثبات الإستقلال لشخصياتكم في هذه المرحلة، وأن قراراتكم نابعة من داخلكم، ونحن نقول لكم: نعم، فاستقلال شخصيتكم هو نجاح لنا في تربيتكم، ولكن الإستقلال والحرِّية لهما حقوق وعليهما واجبات حدَّدها رسول الله (ص): "اعمل ما شئت.. فأنت مجزي به"؛ فالحرِّية مسؤولية، وأمانة الإختيار الحر يتحملها العقل الناضج، وفيما يخص الآخرين فحرِّيتك تنتهي عند حدود حقوق حرِّية غيرك "اعمل ما شئت كما تدين تدان"، "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وهذا هو الضابط الرئيس في علاج رسول الله (ص) العلاج النفسي للراغب في الزنى قبل أن يبيّن له الحد الشرعي قال له: "هل ترضاه لأُمّك؟ هل ترضاه لأختك؟.." فتمت الوقاية التي هي أفضل من قنطار علاج.
- ثالثاً: الشباب دائماً عبارة عن قوة دافعة، وهمة عالية، وطاقة في كل وظائف الجسم، إن لم يحسن توظيفها فإنّها تدمر صاحبها أو تهوي به في مكان سحيق، والشباب يحب التغيير، ولكن أي تغيير؟! إنّ التغيير إما أن يكون إلى الأحسن وإما إلى الأسوأ، وكلاهما تغيير.. ولكن شتان!! وأيضاً التغيير في أي شيء؟ وجدنا مَن يريد أن يغيِّرَ في الثوابت التي يجب ألا تتغير، وأن تحافظ عليها كل الأجيال؛ لأنّها قيمها وموازينها، ووجدنا من يشغل هذه الطاقة في تغيير توافه الشكل، والله عزّوجلّ يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها.
فلنتفق على أننا نوظف هذه الطاقة في التغيير إلى الأحسن، وأن نغير في المتغيرات، ولا نمس الثوابت؛ بل نؤكدها، فسيظل الصدق قيمة عالية، وسيظل برّ الوالدين قيمة ثابتة مهما تغيَّرت الأحوال والأزمان.
- رابعاً: ها نحن قد خرجنا من دوامة الإمتحانات بما فيها من توتر ما زلنا نشعر بتوابعه قبل ظهور النتائج، ولا شك أنّ مثل هذا الإمتحان لا يقاس بامتحان صعب عسير ستكون الأسئلة شاملة العمر كله، ويكون الممتحن هو الله عزّوجلّ، مع كل عدله ورحمته، ومع الصدق الذي تقيمه كل الأدلة، ولا ينطلي معه خداع ولا تبرير ولا تنصل من المسؤولية، والجزاء خطير "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه؟ (فهو يشبه ثوباً لبسناه فترة الشباب ثمّ بلي، ورغم أنّ الشباب فترة من العمر ولكن له سؤال خاص به) وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟!".
فهل أعددنا لهذه الأسئلة إجابات نكتب صفحاتها يوماً بعد يوم؛ حتى نسلم أوراق الإجابة آخر العمر؟!
هأنذا – للأسف – وقعت فيما كنت أحذر منه، وأرجو ألا تكونوا قد ضقتم ذرعاً بهذه المقدمة التي أجدها ضرورية للإقتناع بما سنتفق عليه من برنامج إستثماري لهذا الصيف.. أتعلمون أن رسول الله (ص) قال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ"، وماذا يقصد؟ إنّه يقصد ما نحتاجه في حديثنا هذا عن الإستثمار للوقت.. أي أنّه يشعر عليه الصلاة والسلام، ويقرر ذلك أنّ الغبن معناه: أنّهم يظلمون أنفسهم فيحصلون على عائد قليل من إستثمار الصحة والفراغ، إذاً لابدّ أن نحقق بسهم الصحة والفراغ أعلى ربح، كما علَّم رسول الله (ص) المرأة التي كانت تسبح بالنوى، سبحان الله سبحان الله، قال لها: "ألا أدلك على خير مما تصنعين؟!"، قالت: بلى يا رسول الله، قال: "قولي سبحان الله عدد ما خلق في السماء، سبحان الله عدد ما خلق في الأرض، سبحان الله عدد ما هو خالق".
انظروا إلى أعلى إستثمار لهذه الثواني المعدودة بهذا التسبيح المبارك بهذا الأجر الضخم بعدد كل هذه الكائنات.. هيا نبدأ يومنا بهذا البرنامج.
* برنامج يومي:
1- صلاة الفجر في جماعة: هل تستطيع ذلك بسهولة بأن تجهز من الإستعدادات بالمنبه والتلفون، والإتفاق مع صديق أو زميل للقيام بها، فإذا تحققت فقد فزت بحفظ الله لك بملائكته طوال اليوم، وأهم ما يوقظك لتؤدي صلاة الفجر هو هذه الصورة المنفرة لحالة من نام حتى تطلع الشمس، قال عنه رسول الله (ص): "ذاك بال الشيطان في أذنيه"، ما أبشعها من صورة لا يرضاها حر طاهر لنفسه؛ أن يتبول عدوه في أذنيه.
2- جرِّب أن تقبِّل يد والدك ووالدتك: بعد عودتك من صلاة الفجر، أو أوّل ما تراهما في الصباح.. هل ذقت حلاوتها؟.. هل سعدت بدعائهما لك بعدها برداً وسلاماً على قلبك؟ وإن كانا في ذمة الله أو أحدهما فأرسل تحيتك هدية تحملها الملائكة إليهما بالمغفرة والرحمة.
3- بعض تمارين الصباح الرياضية: ولو بالمشي، تؤكد بها شمولية الإسلام لكل الطاقات البشرية البدنية والروحية والذهنية، فهذا حق بدنك عليك بتريضه، وممارسته رياضة تحبها تصرف جزءاً من طاقتك فيما يفيد؛ مثل "السويدي" والسباحة، واعلم أنّ هذه ليست هواية فقط؛ بل هو حق لبدنك عليك بتقويته بالغذاء الحلال، وتريضه الرياضة النافعة، وإراحته بالنوم، فأعط كل ذي حق حقه.
4- القرآن غذاء الروح: وطريقة تقديم هذا الغذاء للروح تحتاج إلى إعداد؛ من لغة عربية تفهمها بقواعدها ولو كل يوم درس، أو قراءة في لغتك التي هي لغتك في الجنة والتي هي لغة القرآن، والتي بها وبمساعدة بعض التفاسير تتفهم بعض أسرار كلام ربك، فليكن لك تعلم لدرس من دروس اللغة العربية بأيّة وسيلة متاحة، وليكن لك ورد من قراءة القرآن، أحبه إلى الله عزّوجلّ أدومه وإن قلَّ، فالقليل الدائم خير من الكثير المنقطع، والتفاسير كثيرة، ولنبدأ بتفسير الجزء الذي تحفظه من القرآن؛ لتذوق حلاوة ما كنت تقرأ منه ولا تفهم أسراره ومعانيه.
5- الحديث: ولو حفظت حديثاً واحداً كل يوم، اختره من "الأربعين النووية" بشرحة، أو من أي كتب الأحاديث الصحاح، وأفضل حفظ للحديث تطبيقه، فما علمت من شيء من حديث صحيح فابدأ فوراً بتطبيقه في أخلاقك وسلوكك ومعاملاتك؛ لأن من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم.
6- تعلم دعاءً جميلاً جديداً: مأثوراً عن رسول الله (ص) وردده؛ لأنّه مما يزيد صلتك بربك وبرسولك (ص) عمقاً وثباتاً؛ لأنك عندما تقول: "رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد (ص) نبيّاً ورسولاً"، تعلن بها رضاك وحبك وتعلقك الذي يجب أن يزداد يوماً بعد يوم، وتسعى لإضافة جديد عليه ما أمكنك، فالمرء يحشر مع من أحب.
7- ابحث عن سيرة رسول الله (ص): عن مواقف شبيهة بما تتعرض به الأُمّة، وانظر كيف تصرف الحبيب (ص) في الموقف وترك فينا بعده ما إن تمسكنا به فلن نضل أبداً بإذن الله.
8- استزد في تخصص تحبه: أو علم من العلوم ترغب فيه (... وقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (طه/ 114)، واعلم أن ثمرة أي عمل نافع هي التعرف على قدرة الله وسلطانه ومخلوقاته، فهو الذي علّم الإنسان ما لم يعلم؛ ليتحقق فيك (... إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر/ 28).
* دورك في المجتمع:
- دورك في المجتمع من أفضل الإستثمارات لوقتك وشبابك وجهدك:
لأنّه يدخلك في صف: "خير الناس أنفعم للناس"، وتعود عليك أوّل ما تعود ثمار عملك الصالح؛ فتكون ماءً طاهراً في نفسه مطهراً لغيره عندما تسعى كالماء الجاري (وَجَعَلْنَا لهُ نُوراً يَمْشِي به في النّاس) (الأنعام/ 122)، كما قال رب العزّة، وكما قال رسول الله (ص): "إنّ الله يصلح بصلاح الرجل المسلم: ولده، وولد ولده، وأهل كورته، ودويرات حوله"، ابحث يا قرة عيني عن يتيم تمسح على رأسه.. ابحث عنه في أي مكان حولك، فإذا وجدته فاستثمر مسحك على رأسه؛ لتجمع بعدد ما مسَّت يدك من شعر رأسه حسنات، فاستكثر من شعيرات حسناتك.. ابحث عن ملهوف تغيثه أو صاحب حاجة تمشي معه؛ حتى تقضي له حاجته، ولو ساعة من نهار قُضِيت هذه الحاجة أو لم تُقض، فإن ذلك بكل مرة تستغرق عشر دقائق إلى ربع الساعة اعتكاف شهرين في المسجد النبوي الشريف الذي فيه أجر الركعة بألف ركعة، ابحث عن جاهل أميٍّ تعلمه القراءة والكتابة خلال هذه الإجازة في فصول محو الأمية وتعليم الكبار، فكل ما سيقرؤه أو يكتبه من خير بعد ذلك لك مثل أجورهم لا ينقص من أجورهم شيئاً.

 المصدر موقع البلاغ
abuiyad