إذا كان وقت الفراغ ـ كما يعرّفه بعض المهتمين ـ هو الوقت الحرّ الذي لا يرتبط بضرورة أداء واجب معيّن ، والذي يتحرّر فيه الانسان من التزامات وضرورات الحياة ، وتكون له حرّية قضائه كيفما يريد ويرغب ، فإنّ ذلك يشمل بالنسبة للطلبة والشبّان فترات العطل الصيفيّة والشتوية والاسبوعية ، والإجازات والأوقات الخارجـة عن الدوام الرسمي ، بالإضافة إلى ما يوفّره عصر الآلة والتنفنيات الحديثة من أوقات فراغ .
هذه بعض المقترحات التي نضعها بين يدي شبابنا وشاباتنا في بعض وسائل استثمار أوقات الفراغ ، نأمل أن يجدوا فيها عوناً على تلك الساعات التي تسمّى بالخالية .
1 ـ القراءة :
مهما قيل في أنّ أهمّية الكتاب قد تراجعت خلال العقدين الماضيين في قبال المنافسات الاُخرى (كالمذياع والتلفاز والصحف والحاسوب وشبكة المعلوماتية) إلاّ أنّ الكـتاب ما زال وسيبقى محتفظاً بقيمـته للأسباب التالية :
1 ـ اعتماد تلك المنافسـات عليه ، فالكثـير من البرامج الناجحـة والمواد التحقيقية إنّما تستمد معلوماتها من الكتب ذاتها .
2 ـ القدرة على التحكّم بالكتاب انتقاء واستعارة واستنساخاً ، حيث يمكن لذوق القارئ وميله وحاجته أن تتحكّم في نوع الكتاب المطلوب ، وفي أيّ وقت وأيّ مكان وبأيّة كيفيّة .
3 ـ الرجوع إلى الكتاب لغرض الكتابة ، فما دام هناك بحوث ودراسات فالمصادر والمراجع لا تسقط يوماً ما ، حتّى أ نّنا نلاحظ أنّ العديد من الأقراص الليزرية هي في واقعها كتب مؤرشفة .
ولمّا كانت للكتاب كلّ هذه القيمة وهذه الأهمّية التي انحسرت تحديداً في أوساط الطلبة والشبّان لدرجة الانصراف عنها إلى غيرها ، كان من حقّ الشاعر أن يقول :
أنا من بدّل بالكتب الصحابا***لم أجد صاحباً إلاّ الكتابا
ولا يخفى أنّ ما نجنيه من متعة القراءة وفائدتها لا تقدّر حقّ قدرها إلاّ من قبل اُولئك القرّاء الذين عشقوا الكتاب وأقاموا معه صحبة طويلة . وإذا كنّا نفتقد هذا بسبب الانبهار بالطروحات والمنافسات التي مرّ ذكرها ، فإنّ من بين أفضل الطرق لملء الفراغ هي القراءة المنوّعة والجادّة ، وثمة ملاحظات يمكن الافادة منها في تعميق فائدة القراءة :
1 ـ لنقرأ ما يلبي حاجـتنا الفكـرية والروحية والنفسـية ، وأن لا نكره أنفسـنا على القراءة لأنّ ذلك يشبه إكراه النفس على الطعام ، كما لا يصح أن نهجر الكتاب بحجّة عدم الاقبال على قراءة الكتب ، فإنّ القطيعة إذا حصلت يصعب ردمها .
2 ـ احمل قلمك معك حينما تقرأ لتحتفظ ببعض الأفكار والآراء لحين الحاجة ، ويمكن أن تضع خطوطاً تحت الأفكار المهمّة ، أو بتمييزها بواسطة قلم فسفوري حتّى يسهل مراجعتها دون الحاجة إلى قراءة الكتاب كلّه .
3 ـ إنّ القراءة قد تفقّس لديك أفكاراً غير مطروحة في الكتاب فلا تضيّعها .. دوّن على الفور فقد تنفعك في مشروع فكري أو ثقافي أو أدبي .
4 ـ يمكن ـ في حالة أفضل ـ اعتماد بطاقات البحث في تدوين المعلومات مع ذكر اسم المرجع الذي اقتبست منه واسم مؤلفه وتأريخه والجهة التي أصدرته مع ذكر رقم الصفحة .
غير أنّ القراءة لاتشمل الكتب فحسب بل قراءة الصحف والمجلاّت والدوريات ممّا تعرضـه الأكشاك يومـياً ، وممّا يقدِّم المادّة الخبرية والمعلوماتية في شؤون وحقول الحياة المختلفة ممّا لا يستغني عنه شاب أو شابّة يريدان أن يعيشا عصرهما، وقد ورد في الحديث «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس» .
ويمكن إلحاق الكـتابة بالقراءة على اعتبار أ نّها ثمرة من ثمارها ، ففي أوقات الفراغ يمكن للشاب أو الشابّة أن يمارسا هوايتهما في الكتابة سواء في المقالة أو القصّة أو الشعر وما إلى ذلك .. لنكتب ونعرض ما نكتب على أهل الخبرة ونعمل على الأخذ بملاحظاتهم فذاك سبيل من سبل تطوير موهبة الكتابة لدينا .
www.balagh.com
2 ـ حضور المحاضرات والندوات :
ومن بين الطرق النافعة في تعبئة الفراغ أن نحيط علماً بالمواسم والبرامج الاُسبوعية الثقافية والعلمية والأمسيات الأدبية وما يقدّم من محاضرات وندوات يمكن أن تثري معرفتنا وتنمّي لدينا قابلية الحوار والنقد والتعرّف على الآراء المتعددة .
أمّا إذا تمكّنا من المساهمة في مداخلة أو طرح سؤال على المحاضر أو المشاركين في الندوة فإنّنا سنستفيد ونفيد أيضاً ، ففي الحديث «ثلاثة يؤجرون : السائل والمسؤول والمستمع لهما» . وبذلك تنمو وتزدهر شخصيتنا الاجتماعية والثقافية .
إنّ مراقبتنا لأسلوب الطرح وأسلوب الحوار والمداخلات وتوجيه الأسئلة يعلّمنا أدب الحوار والالتفات إلى النقاط التي تثار لمزيد من النقاش وكيفيّة بحث موضوع أو مشكلة .
ويمكن أن نصطحب معنا مفكرتنا لتدوين أبرز الأفكار التي تطرح في المحاضرة أو الندوة لتكون مادّة ثقافية مدخرة نستعين بها في وقت الحاجة .
كما يمكن أن نتعرّف من خلال هذه اللقاءات على عدد من المثقفين والأدباء والشخصيات المشاركة في مثل هذه الفعاليات الثقافية والفكرية والأدبية .
3 ـ الاستماع والمشاهدة :
وسائل الاعلام الأربع (المذياع والتلفاز والسينما والمسرح) ليست وسائل لهو وتسلية بل هي أدوات تثقيف أيضاً ، وقد يكون التثقيف فيها مقصوداً وقد يكون غير مقصود ، أي أ نّه يأتي بالضمن والسياق ممّا ينبغي أن نحدسه أو نشخّصه من حال المادّة المسموعة أو المرئية .
فما يعرض في هذه الوسائل من مواد محلية واُخرى مستوردة ليس كلّه صالحاً للاستماع والمشاهدة ، ففيه الغثّ وفيه السمين ، وفيه النافع وفيه الضارّ ، وفيه القيّم وفيه التافه ، وفيه النقيّ النظيف وفيه الذي يدسّ السمّ في العسل .
وإزاء هذه الإزدواجية في هذه الأسلحة ذات الحدّين لا بدّ من أن نمتلك حاسّة نقدية مدرّبة قادرة على فرز الخطأ من الصحيح ، والسليم من السقيم ، وإلاّ فسنكون من ضحايا مخطط إعلامي قد لا نستشعر خيوطه وخطوطه التي تشرف عليها أجهزة تخصّصية ووكالات وشبكات مغرضة وهادفة فيما تصرح وتبثّ ، فلا تعجب إذا عرفنا أنّ هناك علماء نفس واجتماع وتربية ودعاية وإعلام يقدّمـون لنا بضاعتهم المسموعة أو المرئيـة مغلّفة بأوراق جمـيلة لكنّها بضائع غير صالحة في سوق المسلمين ، فكثيراً ما يستهدفون غزونا في عقر دارنا لأنّ الحواجز ـ بتطور هذه الوسائل وتقدّمها ـ قد ذابت فصارت المادة الاعلامية تدخل كل بيت بدون استئذان ، وصرنا نرحّب بها دون خوف أو ريبة .
إنّ هذه الأجهزة التي قفزت قفزات سريعة وهائلة فأصبحت فضائيات وأشرطة فديو وكاسـيتات وأقراصاً خفيفة الحمل والسعر ثقيلة في الطرح والأعباء، لايتحكّم بها جهاز السيطرة (الرموت كنترول) فقط ، بل لا بدّ من أن تتحكّم بها أذواقنا وتربيتنا وخلفياتنا الثقافية والاجتماعية والدينية التي لا تبيح مشاهدة الأفلام الفاجرة والخليعة والمبتذلة التي لا تخاطب من الانسان سوى غريزته الجنسية أو العنفية أو المادية ، بل تتعمّد إفساد الأخلاق وتشويه المفاهيم وقلب القيم رأساً على عقب .
ولمّا كانت هذه الأجهزة سلاحاً ذا حدّين ، أي أ نّها تحمل الشرّ والخير في داخلها من خلال ما يُبثّ ويُطرح فيها ، كان لا بدّ من الافادة من خيراتها وتجنّب شرورها في عملية انتقاء مدروس ، أي بدلاً من أن نتركها تسيطر علينا ، لا بدّ من أن نفكِّر في السيطرة عليها ما أمكننا ذلك .
فمثَلُ عملية ملء الفراغ الوقتي مثل عملية ملء الفراغ المعوي ، فهل يصحّ أن نُدخل كلّ شيء إلى معدتنا من أجل أن نسدّ جوعنا حتّى ولو كان ملوّثاً وسامّاً وخطيراً يهدِّد صحّتنا وسلامتنا بالدمار ؟!
من هنا يتعيّن علينا كمشاهدين ومستمعين أن نحتفظ ـ بقدر ما نستطيع ـ بخصوصيتنا وهويّتنا والتزامنا الديني والثقافي ونحن نسمع ما نسمع ونشاهد ما نشاهد ، ونحاكم تلك المسموعات والمرئيات على ضوء ما نحمله من فكر وثقافة وتربية وتجربة ، وإلاّ فسنتحوّل إلى أسرى لهذه الأجهزة التي تقودنا إلى المزالق الخطرة .
كما أنّ الجلوس المستسلم لساعات طويلة أمام التلفاز يبعث على الخدر واستهلاك الوقت بما يسبب الاختلال في مفردات البرنامج اليومي الاُخرى ، وربّما يؤدّي إلى شلل التفكير أو تقلّصه ، ولذا يستحسن أن يقنّن كلّ واحد منّا ساعات مشاهدته بأسلوب انتقائي هادف .
لقد أكّد علماء النفس أنّ التلفاز ـ في حدّ ذاته ـ لا يخلق مشكلات العدوان والانحراف ، وإنّما يخلقها سوء التربية من قبل الأهل والأقارب والأصدقاء ، فالأطفال والشبّان العدوانيون يختارون برامج عدوانية ، أي ما يدعم اتّجاهاتهم السابقة ، والتلفاز يأتي كمعاون على الانحراف والعنف والتميّع .
ورغم الفـوائد الكثيرة لهذه الأجهزة التي تلتقي كثيراً مع بعضها البعض، درس بعض الباحثين منافع وأضرار التلفاز على سبيل المثال ، ومن بين الأضرار التي شخّصها :
1 ـ قتل الوقت وإضاعة العمر وإشغال الفرد والاُمّة عن أداء واجبات مهمّة .
2 ـ نقل أخلاق البيئات الشاذّة والمنحرفة إلى مجتمعنا ، وفرض نماذج أخلاقية سيِّئة وهابطة على الناس .
3 ـ بناء ثقافة مشوّهة في عقول الناشئة وإظهار الفاسقين في موقع الصدارة من المجتمع .
4 ـ تشويه قضايا المسلمين المعاصرة ، وهدم الحواجز بيننا وبين أعداء اُمّتنا من الصهاينة اليهود .
إلاّ أ نّنا لا نعدم برامج تلفازية أو إذاعية علمية وثقافية وسياسية وأدبية واجتماعية واقتصادية وصحِّية نافعة ، خاصّة تلك التي تطرح المشكلات والهموم التي يعاني منها مجتمعنا والتي تناقش مع المختصين والمعنيين والخبراء .
4ـ الحاسوب وشبكة المعلومات :
حينما ظهر الحاسوب (الكومبيوتر) إلى الوجود لم يملأ أوقات فراغ الشبّان فحسب ، بل استغرق أوقاتهم حتّى لم يعد له شريك أو منافس ، فلقد فاق ما قبله من وسائل اللّهو والتسلية . والحاسوب شأنه شأن الوسائل الاُخرى يمكن أن يوظّف فيما ينفع الناس ويمكن أن يتحوّل إلى أداة إفساد وتخريب .
لكنّ من الظلم لهذا الاختراع الباهر الحيويّ المتعدّد الوظائف أن يختزل فيصبح مجرد أداة لهو على الرغم ممّا فيه من مجالات استخدام كثيرة جداً وهي آخذة بالازدياد بشكل مذهل . فهناك برامج معدّة لتعليم المحاسبة وادارة الأعمال ومبادئ قيادة السيارة ، وتعلّم قواعد لغة معينة ، اضافة إلى العديد من الخدمات التي لا مجال لذكرها كما في مجال الطباعة والخط والتصميم والإخراج والتصوير ، وغيرها ، والمجال أوسع بكثير في شبكة (الانترنيت) في محتوياتها العلمية والاعلامية والسياسية والحضارية ومختلف جوانب الحياة .
إنّ الشاشة الزرقاء بما تربي الفرد باكسابه درجات عالية من المرونة وسرعة التفكير وقابلية التنقّل الواسع : الجغرافي والفكري والاجتماعي وتنمية التفكير الايجابي ، وتعميق مفهوم المشاركة ، وعدم القبول بالمسلّمات والاقناع السلبي وعدم الاستسلام للبساطة ، هي نعمة وفي نفس الوقت نقمة ، وبيدنا أن نستفيد من هذه النعمة على خير وجه ، أو نبتلي بنقمتها خاصّة وأنّ الألعاب المستوردة قد تحمل في طياتها معلومات وأخلاقاً تختلف عن أخلاقنا وعاداتنا كمسلمين .
فلا بدّ من رقابة مركزية وذاتيـة في ضبط الشرائط التي يجب أن تتوافر في هذه الألعاب ومنها : أن تحمل طابعاً إنسانياً ، وأن تكون ذات قيمة علمية عالية وليست للتسلية فقط ، وأن تكون متنوعة ، وأن لا تخلق عداءً بين اللاّعبين ، وأن لا تتناقض مع تعاليم ديننا وأخلاقنا وعاداتنا .
لكن الجلوس الطويل إلى هذا الجهاز الشديد الاغراء باتَ يفوق في ساعاته المفتوحة والممتدة الجلوس إلى التلفاز ، ممّا حدا ببعض الدول كما في السويد إلى تحديد سنّ السماح باستخدام هذه الألعاب ، لاقتناعها بضرورة عدم تعريـف الفتـيان بإغراءات هـذه الألعـاب خوفاً على مستقبلهم الدرسي، كما حدّد الوقت الذي يسمح فيه باستخدام الحاسوب لغرض التسلية .
إنّ الإدمان على استخدام الحاسوب كأداة للتسلية لا يقلّ ضرراً عن هدر معظم الوقت في لعبة كرة القدم الشهيرة ، أو الاستغراق في مشاهدة الفديو أو التلفاز ، فمن بين مخاطر هذا الاختراع الذي بات أحد أفراد أسرنا ، هو تقلّص دائرة الأصدقاء أو العلاقات الاجتماعية لشعور الشبّان والشابّات أنّ هذا يحقّق لهم الاسغناء عن ذلك ويجعلهم يبتعدون عن واقع المجتمع والناس .
فحتّى المواقع الحوارية في شبكة الانترنيت (المعلوماتية) لا يمكن أن تحقّق الفوائد والعوائد الطيبة التي نجنيها من اللقاءات الإخوانية المباشرة في التزاور الحيّ وجهاً لوجه ، والذي يعرّفنا الكثير ممّا لا نقدر معرفته من خلال الشاشة التي قد تنقل بعض المشاعر والانفعالات لكنّها لا تستطيع بحال أن تكون بديلاً كاملاً عن اللقاء المباشر بكل ما ينطوي عليه من دفء المشاعر وحيويّة اللقاء والتواصل الحميم والتعرّف على الآخر عن كثب .
وكما أنّ الأقراص الممغنطة ـ عدا أهمّيتها ـ سوف لن تعوّض عن الكتاب رفيقنا في كل مكان (البيت والمدرسة والسيّارة والطائرة والباخرة ... إلخ) فكذلك التزاور الشخصي في مواقع الشبكة سوف لن يكون بديلاً تامّاً عن التزاور الإخـواني المباشر مهما أضفى عليه منتجـوه ومروّجوه من خدمات ومواصفات سحرية مغرية .
5 ـ تعلّم المهارات :
من الاُمور التي أصبحت متاحة وفي متناول الكثير من الشبّان والشابّات هي هذه المعاهد التعليمية والفنّية والحرفية التي تقدِّم دروساً عملية في مهارات السـياقة والبرمجة والنجارة والحدادة والكهرباء والأشغال اليدوية كالخياطة والأعمال المنزلية والاسعافات الأوّلية وتعلّم لغة أجنبية وغيرها كثير ممّا يؤهل الشبّان والشابّات لحياة أفضل ويشكّل توظيفاً سليماً لأوقات الفراغ لا سيما في أثناء العطل الصيفية، فتعلّم واحدة أو أكثر من هذه المهارات لايشغل الوقت فحسب بل يصبّ بفائدته العملية على شخصية الشاب أو الشابّة اللّذين سيحصلان على معرفة أولية بمهنة أو بحرفة قد تعينهما في الحاضر وفي المستقبل ، ذلك أ نّها أصبحت من الامتيازات وأسس التفاضل التي تحسب لصالح المتقدم لاشغال وظيفة أو مهنة معيّنة خصوصاً في حال وجود منافسـة ، وفي الحديث «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه» .
كما أنّ الخبرة في هذه الحقول تنفع الشاب أو الشابّة حتّى خارج دائرة الاختصاص، فاللّغة الأجنبية مثلاً نافعة في الحوار مع الأجانب ، وفي قراءة كتب بهذه اللغة أو المراسلة بها، وفي قراءة النشرات الداخلية للأدوية أو تلك الخاصّة بتشغيل الأجهزة وغير ذلك .
إلاّ أنّ من بين أفضل وأشرف المهارات أن يتعلّم الشاب المسلم والشابّة المسلمة قراءة القرآن تلاوة وتجويداً وحفظاً لجزء أو أجزاء أو كلّ الكتاب الكريم ، وإذا لم تكن هناك دور لتعليم وتحفيظ القرآن ، فهناك أشرطة التسجيل أو الأقراص الليزرية التي يمكن تكون بمثابة المعلم الذي يعلمك اُصول القراءة والتجويد ، ولقد نبغ قرّاء للقرآن من أبناء الاسلام وبناته ممّن اعتمدوا هذه الطريقة في حفظ القرآن بكامله .
ويبقى أن نعرف أنّ أيّة مهارة مكتسبة تحتاج إلى تمرين ومواصلة حتّى تنضج وتكتمل ، ولذا قيل في بعض الأمثال «التمرين يؤدِّي إلى الكمال» .
6 ـ وسائل الترويح والترفيه :
منذ وقت بعيد قال عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) : «إنّ القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فتخيّروا لها طرائف الحكمة» . والطريف هو الجديد ، ذلك أنّ لكلّ جديد لذّة ونكهة خاصّة ومحرِّكاً على إدامة العمل بنشاط أكبر، وأنّ الاُسلوب الرتيب ربّما يجرّ على النفس السأم والملل والنفور .
أمّا جرّبت ذلك شخصياً ؟ حينما تغيّر الطريق الذي تمشي فيه كلّ يوم إلى معهدك أو مركز عملك ، أو عندما تغيّر ديكور الغرفة التي تسكن فيها ولو بلمسات فنّية بسيطة كأن تغيّر مواضع بعض قطع الأثاث ، بل حتّى حين تغيّر ملابسك ألا تشعر بفارق نفسي حتّى لو لم يكن اللباس ثميناً ، فقد تكون البساطة هي الفن وهي الذوق .
وينقل عن علي (عليه السلام) أيضاً قوله : «روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإنّ القلب إذا أكره عمي» . وهو في هذا الطرح إنّما يقدّم لنا أسلوباً عصرياً من أساليب الترويح الذي راحت تعـتمده ليس المدارس والمعاهد فحسب وإنّما حتّى بعض المعامل والمصانع والمكاتب ، لأنّ التجارب أثبتت أنّ العامل الذي يروّح عن نفسه بأسلوب وبآخر أثناء العمل سوف يُقبل على العمل بنفسية منفتحة منشرحة تنعكس على نوعية وكمّية إنتاجه بل وعلى علاقاته بزملائه في محيط العمل أيضاً .
وبما أنّ الاسلام يوازن بين حاجات الانسان ، فإنّه لم يلغ هذه الحاجة الانسـانية في أن يعطي أحـدنا شيئاً من وقته للترويح الذي تعدّدت أساليبه وتنوّعت ، والتي يمكن أن نذكر منها :
أ ـ الترويح الرياضي : وشـعبه وألوانه كثيرة وفي ازدياد أشهرها كرة القدم ، وهو ترويج نافع في الصحّة النفسية والاجتماعية والجسدية ، ومثله السباحة .
ب ـ الترويح الفـنِّي : كممارسـة هواية الرسـم والخطّ والنقش والتخريم والأشـغال اليدوية من حياكة وتطريز وصناعة الورود وتزيين البيوت وهوايات الجمع كجمع الطوابع .
ج ـ الترويح الاجتماعي : ومن أساليبه التزاور الذي حثّ الاسلام عليه كثيراً، ومنه المراسلة والمهاتفة وإحياء المناسبات الجميلة والمشاركة في فعاليات تعاونية بغية توطيد الأواصر بين الاخوة المؤمنين ، تضاف إليها الرحلات القصيرة والطويلة ممّا يزيل الكثير من حالات الارهاق الجسدي والنفسي والخمول الفكري .
د ـ الترويح السياحي : ويشمل زيارات المراقد والعتبات المقدّسة، والمناطق الأثرية والتأريخـية والسـياحية الجميلة لما يعطي فائدتين : نفسية وثقافية .
إنّ الترويح ـ أيّاً كان شكله ـ ليس هروباً من ضغوطات الحياة كما يصوّره البعض ، إنّما هو اسـتعداد وتأهّب لمواجهتها من جديد ، وليس هو كما يصفه آخرون ، تصريفاً للطاقة الزائدة فيما ليس له هدف ، إنّما هو توظيف نافع وسليم لتلك الطاقة سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة .
ومن شرائط الترويج الذي يشجّع الاسلام عليه :
1 ـ أن يكون خالياً من المفاسد والمضارّ والباطل والحرمة .
2 ـ أن يخلو من الإسفاف والإسراف والاستغراق الذي يستهلك الوقت بأجمعه . كما يستحبّ أن ينشأ عن الترويح أو أي استثمار لوقت الفراغ نفع خاص أو عامّ ، لأ نّه يكره للشاب أو الشابّة أن يكونا فارغين لا في عمل الدّنيا ولا في عمل الآخرة .
ذات صيف قائظ ، وفي المدينة المنوّرة ، أراد أحد الذين يكيدون بالاسلام وبأئمّته أن ينال من محمّد الباقر (عليه السلام) (حفيد الإمام الحسين ابن علي (عليه السلام) ) حينما رآه خارجاً في حرّ الظهيرة اللاّهب ليعمل في حقله ، فقال له : شيخ من أشياخ قريش «في مثل هذه الساعة في طلب الدّنيا، ماذا لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال؟» فأجابه الباقر (عليه السلام)بما يعطينا درساً ثميناً كشبّان : «أما والله لو جاءني الموتُ وأنا في هذه الحال لجاءني وأنا في طاعة من طاعات الله» !!
هذه بعض المقترحات التي نضعها بين يدي شبابنا وشاباتنا في بعض وسائل استثمار أوقات الفراغ ، نأمل أن يجدوا فيها عوناً على تلك الساعات التي تسمّى بالخالية .
1 ـ القراءة :
مهما قيل في أنّ أهمّية الكتاب قد تراجعت خلال العقدين الماضيين في قبال المنافسات الاُخرى (كالمذياع والتلفاز والصحف والحاسوب وشبكة المعلوماتية) إلاّ أنّ الكـتاب ما زال وسيبقى محتفظاً بقيمـته للأسباب التالية :
1 ـ اعتماد تلك المنافسـات عليه ، فالكثـير من البرامج الناجحـة والمواد التحقيقية إنّما تستمد معلوماتها من الكتب ذاتها .
2 ـ القدرة على التحكّم بالكتاب انتقاء واستعارة واستنساخاً ، حيث يمكن لذوق القارئ وميله وحاجته أن تتحكّم في نوع الكتاب المطلوب ، وفي أيّ وقت وأيّ مكان وبأيّة كيفيّة .
3 ـ الرجوع إلى الكتاب لغرض الكتابة ، فما دام هناك بحوث ودراسات فالمصادر والمراجع لا تسقط يوماً ما ، حتّى أ نّنا نلاحظ أنّ العديد من الأقراص الليزرية هي في واقعها كتب مؤرشفة .
ولمّا كانت للكتاب كلّ هذه القيمة وهذه الأهمّية التي انحسرت تحديداً في أوساط الطلبة والشبّان لدرجة الانصراف عنها إلى غيرها ، كان من حقّ الشاعر أن يقول :
أنا من بدّل بالكتب الصحابا***لم أجد صاحباً إلاّ الكتابا
ولا يخفى أنّ ما نجنيه من متعة القراءة وفائدتها لا تقدّر حقّ قدرها إلاّ من قبل اُولئك القرّاء الذين عشقوا الكتاب وأقاموا معه صحبة طويلة . وإذا كنّا نفتقد هذا بسبب الانبهار بالطروحات والمنافسات التي مرّ ذكرها ، فإنّ من بين أفضل الطرق لملء الفراغ هي القراءة المنوّعة والجادّة ، وثمة ملاحظات يمكن الافادة منها في تعميق فائدة القراءة :
1 ـ لنقرأ ما يلبي حاجـتنا الفكـرية والروحية والنفسـية ، وأن لا نكره أنفسـنا على القراءة لأنّ ذلك يشبه إكراه النفس على الطعام ، كما لا يصح أن نهجر الكتاب بحجّة عدم الاقبال على قراءة الكتب ، فإنّ القطيعة إذا حصلت يصعب ردمها .
2 ـ احمل قلمك معك حينما تقرأ لتحتفظ ببعض الأفكار والآراء لحين الحاجة ، ويمكن أن تضع خطوطاً تحت الأفكار المهمّة ، أو بتمييزها بواسطة قلم فسفوري حتّى يسهل مراجعتها دون الحاجة إلى قراءة الكتاب كلّه .
3 ـ إنّ القراءة قد تفقّس لديك أفكاراً غير مطروحة في الكتاب فلا تضيّعها .. دوّن على الفور فقد تنفعك في مشروع فكري أو ثقافي أو أدبي .
4 ـ يمكن ـ في حالة أفضل ـ اعتماد بطاقات البحث في تدوين المعلومات مع ذكر اسم المرجع الذي اقتبست منه واسم مؤلفه وتأريخه والجهة التي أصدرته مع ذكر رقم الصفحة .
غير أنّ القراءة لاتشمل الكتب فحسب بل قراءة الصحف والمجلاّت والدوريات ممّا تعرضـه الأكشاك يومـياً ، وممّا يقدِّم المادّة الخبرية والمعلوماتية في شؤون وحقول الحياة المختلفة ممّا لا يستغني عنه شاب أو شابّة يريدان أن يعيشا عصرهما، وقد ورد في الحديث «العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس» .
ويمكن إلحاق الكـتابة بالقراءة على اعتبار أ نّها ثمرة من ثمارها ، ففي أوقات الفراغ يمكن للشاب أو الشابّة أن يمارسا هوايتهما في الكتابة سواء في المقالة أو القصّة أو الشعر وما إلى ذلك .. لنكتب ونعرض ما نكتب على أهل الخبرة ونعمل على الأخذ بملاحظاتهم فذاك سبيل من سبل تطوير موهبة الكتابة لدينا .
www.balagh.com
2 ـ حضور المحاضرات والندوات :
ومن بين الطرق النافعة في تعبئة الفراغ أن نحيط علماً بالمواسم والبرامج الاُسبوعية الثقافية والعلمية والأمسيات الأدبية وما يقدّم من محاضرات وندوات يمكن أن تثري معرفتنا وتنمّي لدينا قابلية الحوار والنقد والتعرّف على الآراء المتعددة .
أمّا إذا تمكّنا من المساهمة في مداخلة أو طرح سؤال على المحاضر أو المشاركين في الندوة فإنّنا سنستفيد ونفيد أيضاً ، ففي الحديث «ثلاثة يؤجرون : السائل والمسؤول والمستمع لهما» . وبذلك تنمو وتزدهر شخصيتنا الاجتماعية والثقافية .
إنّ مراقبتنا لأسلوب الطرح وأسلوب الحوار والمداخلات وتوجيه الأسئلة يعلّمنا أدب الحوار والالتفات إلى النقاط التي تثار لمزيد من النقاش وكيفيّة بحث موضوع أو مشكلة .
ويمكن أن نصطحب معنا مفكرتنا لتدوين أبرز الأفكار التي تطرح في المحاضرة أو الندوة لتكون مادّة ثقافية مدخرة نستعين بها في وقت الحاجة .
كما يمكن أن نتعرّف من خلال هذه اللقاءات على عدد من المثقفين والأدباء والشخصيات المشاركة في مثل هذه الفعاليات الثقافية والفكرية والأدبية .
3 ـ الاستماع والمشاهدة :
وسائل الاعلام الأربع (المذياع والتلفاز والسينما والمسرح) ليست وسائل لهو وتسلية بل هي أدوات تثقيف أيضاً ، وقد يكون التثقيف فيها مقصوداً وقد يكون غير مقصود ، أي أ نّه يأتي بالضمن والسياق ممّا ينبغي أن نحدسه أو نشخّصه من حال المادّة المسموعة أو المرئية .
فما يعرض في هذه الوسائل من مواد محلية واُخرى مستوردة ليس كلّه صالحاً للاستماع والمشاهدة ، ففيه الغثّ وفيه السمين ، وفيه النافع وفيه الضارّ ، وفيه القيّم وفيه التافه ، وفيه النقيّ النظيف وفيه الذي يدسّ السمّ في العسل .
وإزاء هذه الإزدواجية في هذه الأسلحة ذات الحدّين لا بدّ من أن نمتلك حاسّة نقدية مدرّبة قادرة على فرز الخطأ من الصحيح ، والسليم من السقيم ، وإلاّ فسنكون من ضحايا مخطط إعلامي قد لا نستشعر خيوطه وخطوطه التي تشرف عليها أجهزة تخصّصية ووكالات وشبكات مغرضة وهادفة فيما تصرح وتبثّ ، فلا تعجب إذا عرفنا أنّ هناك علماء نفس واجتماع وتربية ودعاية وإعلام يقدّمـون لنا بضاعتهم المسموعة أو المرئيـة مغلّفة بأوراق جمـيلة لكنّها بضائع غير صالحة في سوق المسلمين ، فكثيراً ما يستهدفون غزونا في عقر دارنا لأنّ الحواجز ـ بتطور هذه الوسائل وتقدّمها ـ قد ذابت فصارت المادة الاعلامية تدخل كل بيت بدون استئذان ، وصرنا نرحّب بها دون خوف أو ريبة .
إنّ هذه الأجهزة التي قفزت قفزات سريعة وهائلة فأصبحت فضائيات وأشرطة فديو وكاسـيتات وأقراصاً خفيفة الحمل والسعر ثقيلة في الطرح والأعباء، لايتحكّم بها جهاز السيطرة (الرموت كنترول) فقط ، بل لا بدّ من أن تتحكّم بها أذواقنا وتربيتنا وخلفياتنا الثقافية والاجتماعية والدينية التي لا تبيح مشاهدة الأفلام الفاجرة والخليعة والمبتذلة التي لا تخاطب من الانسان سوى غريزته الجنسية أو العنفية أو المادية ، بل تتعمّد إفساد الأخلاق وتشويه المفاهيم وقلب القيم رأساً على عقب .
ولمّا كانت هذه الأجهزة سلاحاً ذا حدّين ، أي أ نّها تحمل الشرّ والخير في داخلها من خلال ما يُبثّ ويُطرح فيها ، كان لا بدّ من الافادة من خيراتها وتجنّب شرورها في عملية انتقاء مدروس ، أي بدلاً من أن نتركها تسيطر علينا ، لا بدّ من أن نفكِّر في السيطرة عليها ما أمكننا ذلك .
فمثَلُ عملية ملء الفراغ الوقتي مثل عملية ملء الفراغ المعوي ، فهل يصحّ أن نُدخل كلّ شيء إلى معدتنا من أجل أن نسدّ جوعنا حتّى ولو كان ملوّثاً وسامّاً وخطيراً يهدِّد صحّتنا وسلامتنا بالدمار ؟!
من هنا يتعيّن علينا كمشاهدين ومستمعين أن نحتفظ ـ بقدر ما نستطيع ـ بخصوصيتنا وهويّتنا والتزامنا الديني والثقافي ونحن نسمع ما نسمع ونشاهد ما نشاهد ، ونحاكم تلك المسموعات والمرئيات على ضوء ما نحمله من فكر وثقافة وتربية وتجربة ، وإلاّ فسنتحوّل إلى أسرى لهذه الأجهزة التي تقودنا إلى المزالق الخطرة .
كما أنّ الجلوس المستسلم لساعات طويلة أمام التلفاز يبعث على الخدر واستهلاك الوقت بما يسبب الاختلال في مفردات البرنامج اليومي الاُخرى ، وربّما يؤدّي إلى شلل التفكير أو تقلّصه ، ولذا يستحسن أن يقنّن كلّ واحد منّا ساعات مشاهدته بأسلوب انتقائي هادف .
لقد أكّد علماء النفس أنّ التلفاز ـ في حدّ ذاته ـ لا يخلق مشكلات العدوان والانحراف ، وإنّما يخلقها سوء التربية من قبل الأهل والأقارب والأصدقاء ، فالأطفال والشبّان العدوانيون يختارون برامج عدوانية ، أي ما يدعم اتّجاهاتهم السابقة ، والتلفاز يأتي كمعاون على الانحراف والعنف والتميّع .
ورغم الفـوائد الكثيرة لهذه الأجهزة التي تلتقي كثيراً مع بعضها البعض، درس بعض الباحثين منافع وأضرار التلفاز على سبيل المثال ، ومن بين الأضرار التي شخّصها :
1 ـ قتل الوقت وإضاعة العمر وإشغال الفرد والاُمّة عن أداء واجبات مهمّة .
2 ـ نقل أخلاق البيئات الشاذّة والمنحرفة إلى مجتمعنا ، وفرض نماذج أخلاقية سيِّئة وهابطة على الناس .
3 ـ بناء ثقافة مشوّهة في عقول الناشئة وإظهار الفاسقين في موقع الصدارة من المجتمع .
4 ـ تشويه قضايا المسلمين المعاصرة ، وهدم الحواجز بيننا وبين أعداء اُمّتنا من الصهاينة اليهود .
إلاّ أ نّنا لا نعدم برامج تلفازية أو إذاعية علمية وثقافية وسياسية وأدبية واجتماعية واقتصادية وصحِّية نافعة ، خاصّة تلك التي تطرح المشكلات والهموم التي يعاني منها مجتمعنا والتي تناقش مع المختصين والمعنيين والخبراء .
4ـ الحاسوب وشبكة المعلومات :
حينما ظهر الحاسوب (الكومبيوتر) إلى الوجود لم يملأ أوقات فراغ الشبّان فحسب ، بل استغرق أوقاتهم حتّى لم يعد له شريك أو منافس ، فلقد فاق ما قبله من وسائل اللّهو والتسلية . والحاسوب شأنه شأن الوسائل الاُخرى يمكن أن يوظّف فيما ينفع الناس ويمكن أن يتحوّل إلى أداة إفساد وتخريب .
لكنّ من الظلم لهذا الاختراع الباهر الحيويّ المتعدّد الوظائف أن يختزل فيصبح مجرد أداة لهو على الرغم ممّا فيه من مجالات استخدام كثيرة جداً وهي آخذة بالازدياد بشكل مذهل . فهناك برامج معدّة لتعليم المحاسبة وادارة الأعمال ومبادئ قيادة السيارة ، وتعلّم قواعد لغة معينة ، اضافة إلى العديد من الخدمات التي لا مجال لذكرها كما في مجال الطباعة والخط والتصميم والإخراج والتصوير ، وغيرها ، والمجال أوسع بكثير في شبكة (الانترنيت) في محتوياتها العلمية والاعلامية والسياسية والحضارية ومختلف جوانب الحياة .
إنّ الشاشة الزرقاء بما تربي الفرد باكسابه درجات عالية من المرونة وسرعة التفكير وقابلية التنقّل الواسع : الجغرافي والفكري والاجتماعي وتنمية التفكير الايجابي ، وتعميق مفهوم المشاركة ، وعدم القبول بالمسلّمات والاقناع السلبي وعدم الاستسلام للبساطة ، هي نعمة وفي نفس الوقت نقمة ، وبيدنا أن نستفيد من هذه النعمة على خير وجه ، أو نبتلي بنقمتها خاصّة وأنّ الألعاب المستوردة قد تحمل في طياتها معلومات وأخلاقاً تختلف عن أخلاقنا وعاداتنا كمسلمين .
فلا بدّ من رقابة مركزية وذاتيـة في ضبط الشرائط التي يجب أن تتوافر في هذه الألعاب ومنها : أن تحمل طابعاً إنسانياً ، وأن تكون ذات قيمة علمية عالية وليست للتسلية فقط ، وأن تكون متنوعة ، وأن لا تخلق عداءً بين اللاّعبين ، وأن لا تتناقض مع تعاليم ديننا وأخلاقنا وعاداتنا .
لكن الجلوس الطويل إلى هذا الجهاز الشديد الاغراء باتَ يفوق في ساعاته المفتوحة والممتدة الجلوس إلى التلفاز ، ممّا حدا ببعض الدول كما في السويد إلى تحديد سنّ السماح باستخدام هذه الألعاب ، لاقتناعها بضرورة عدم تعريـف الفتـيان بإغراءات هـذه الألعـاب خوفاً على مستقبلهم الدرسي، كما حدّد الوقت الذي يسمح فيه باستخدام الحاسوب لغرض التسلية .
إنّ الإدمان على استخدام الحاسوب كأداة للتسلية لا يقلّ ضرراً عن هدر معظم الوقت في لعبة كرة القدم الشهيرة ، أو الاستغراق في مشاهدة الفديو أو التلفاز ، فمن بين مخاطر هذا الاختراع الذي بات أحد أفراد أسرنا ، هو تقلّص دائرة الأصدقاء أو العلاقات الاجتماعية لشعور الشبّان والشابّات أنّ هذا يحقّق لهم الاسغناء عن ذلك ويجعلهم يبتعدون عن واقع المجتمع والناس .
فحتّى المواقع الحوارية في شبكة الانترنيت (المعلوماتية) لا يمكن أن تحقّق الفوائد والعوائد الطيبة التي نجنيها من اللقاءات الإخوانية المباشرة في التزاور الحيّ وجهاً لوجه ، والذي يعرّفنا الكثير ممّا لا نقدر معرفته من خلال الشاشة التي قد تنقل بعض المشاعر والانفعالات لكنّها لا تستطيع بحال أن تكون بديلاً كاملاً عن اللقاء المباشر بكل ما ينطوي عليه من دفء المشاعر وحيويّة اللقاء والتواصل الحميم والتعرّف على الآخر عن كثب .
وكما أنّ الأقراص الممغنطة ـ عدا أهمّيتها ـ سوف لن تعوّض عن الكتاب رفيقنا في كل مكان (البيت والمدرسة والسيّارة والطائرة والباخرة ... إلخ) فكذلك التزاور الشخصي في مواقع الشبكة سوف لن يكون بديلاً تامّاً عن التزاور الإخـواني المباشر مهما أضفى عليه منتجـوه ومروّجوه من خدمات ومواصفات سحرية مغرية .
5 ـ تعلّم المهارات :
من الاُمور التي أصبحت متاحة وفي متناول الكثير من الشبّان والشابّات هي هذه المعاهد التعليمية والفنّية والحرفية التي تقدِّم دروساً عملية في مهارات السـياقة والبرمجة والنجارة والحدادة والكهرباء والأشغال اليدوية كالخياطة والأعمال المنزلية والاسعافات الأوّلية وتعلّم لغة أجنبية وغيرها كثير ممّا يؤهل الشبّان والشابّات لحياة أفضل ويشكّل توظيفاً سليماً لأوقات الفراغ لا سيما في أثناء العطل الصيفية، فتعلّم واحدة أو أكثر من هذه المهارات لايشغل الوقت فحسب بل يصبّ بفائدته العملية على شخصية الشاب أو الشابّة اللّذين سيحصلان على معرفة أولية بمهنة أو بحرفة قد تعينهما في الحاضر وفي المستقبل ، ذلك أ نّها أصبحت من الامتيازات وأسس التفاضل التي تحسب لصالح المتقدم لاشغال وظيفة أو مهنة معيّنة خصوصاً في حال وجود منافسـة ، وفي الحديث «قيمة كلّ امرئ ما يحسنه» .
كما أنّ الخبرة في هذه الحقول تنفع الشاب أو الشابّة حتّى خارج دائرة الاختصاص، فاللّغة الأجنبية مثلاً نافعة في الحوار مع الأجانب ، وفي قراءة كتب بهذه اللغة أو المراسلة بها، وفي قراءة النشرات الداخلية للأدوية أو تلك الخاصّة بتشغيل الأجهزة وغير ذلك .
إلاّ أنّ من بين أفضل وأشرف المهارات أن يتعلّم الشاب المسلم والشابّة المسلمة قراءة القرآن تلاوة وتجويداً وحفظاً لجزء أو أجزاء أو كلّ الكتاب الكريم ، وإذا لم تكن هناك دور لتعليم وتحفيظ القرآن ، فهناك أشرطة التسجيل أو الأقراص الليزرية التي يمكن تكون بمثابة المعلم الذي يعلمك اُصول القراءة والتجويد ، ولقد نبغ قرّاء للقرآن من أبناء الاسلام وبناته ممّن اعتمدوا هذه الطريقة في حفظ القرآن بكامله .
ويبقى أن نعرف أنّ أيّة مهارة مكتسبة تحتاج إلى تمرين ومواصلة حتّى تنضج وتكتمل ، ولذا قيل في بعض الأمثال «التمرين يؤدِّي إلى الكمال» .
6 ـ وسائل الترويح والترفيه :
منذ وقت بعيد قال عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) : «إنّ القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فتخيّروا لها طرائف الحكمة» . والطريف هو الجديد ، ذلك أنّ لكلّ جديد لذّة ونكهة خاصّة ومحرِّكاً على إدامة العمل بنشاط أكبر، وأنّ الاُسلوب الرتيب ربّما يجرّ على النفس السأم والملل والنفور .
أمّا جرّبت ذلك شخصياً ؟ حينما تغيّر الطريق الذي تمشي فيه كلّ يوم إلى معهدك أو مركز عملك ، أو عندما تغيّر ديكور الغرفة التي تسكن فيها ولو بلمسات فنّية بسيطة كأن تغيّر مواضع بعض قطع الأثاث ، بل حتّى حين تغيّر ملابسك ألا تشعر بفارق نفسي حتّى لو لم يكن اللباس ثميناً ، فقد تكون البساطة هي الفن وهي الذوق .
وينقل عن علي (عليه السلام) أيضاً قوله : «روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإنّ القلب إذا أكره عمي» . وهو في هذا الطرح إنّما يقدّم لنا أسلوباً عصرياً من أساليب الترويح الذي راحت تعـتمده ليس المدارس والمعاهد فحسب وإنّما حتّى بعض المعامل والمصانع والمكاتب ، لأنّ التجارب أثبتت أنّ العامل الذي يروّح عن نفسه بأسلوب وبآخر أثناء العمل سوف يُقبل على العمل بنفسية منفتحة منشرحة تنعكس على نوعية وكمّية إنتاجه بل وعلى علاقاته بزملائه في محيط العمل أيضاً .
وبما أنّ الاسلام يوازن بين حاجات الانسان ، فإنّه لم يلغ هذه الحاجة الانسـانية في أن يعطي أحـدنا شيئاً من وقته للترويح الذي تعدّدت أساليبه وتنوّعت ، والتي يمكن أن نذكر منها :
أ ـ الترويح الرياضي : وشـعبه وألوانه كثيرة وفي ازدياد أشهرها كرة القدم ، وهو ترويج نافع في الصحّة النفسية والاجتماعية والجسدية ، ومثله السباحة .
ب ـ الترويح الفـنِّي : كممارسـة هواية الرسـم والخطّ والنقش والتخريم والأشـغال اليدوية من حياكة وتطريز وصناعة الورود وتزيين البيوت وهوايات الجمع كجمع الطوابع .
ج ـ الترويح الاجتماعي : ومن أساليبه التزاور الذي حثّ الاسلام عليه كثيراً، ومنه المراسلة والمهاتفة وإحياء المناسبات الجميلة والمشاركة في فعاليات تعاونية بغية توطيد الأواصر بين الاخوة المؤمنين ، تضاف إليها الرحلات القصيرة والطويلة ممّا يزيل الكثير من حالات الارهاق الجسدي والنفسي والخمول الفكري .
د ـ الترويح السياحي : ويشمل زيارات المراقد والعتبات المقدّسة، والمناطق الأثرية والتأريخـية والسـياحية الجميلة لما يعطي فائدتين : نفسية وثقافية .
إنّ الترويح ـ أيّاً كان شكله ـ ليس هروباً من ضغوطات الحياة كما يصوّره البعض ، إنّما هو اسـتعداد وتأهّب لمواجهتها من جديد ، وليس هو كما يصفه آخرون ، تصريفاً للطاقة الزائدة فيما ليس له هدف ، إنّما هو توظيف نافع وسليم لتلك الطاقة سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة .
ومن شرائط الترويج الذي يشجّع الاسلام عليه :
1 ـ أن يكون خالياً من المفاسد والمضارّ والباطل والحرمة .
2 ـ أن يخلو من الإسفاف والإسراف والاستغراق الذي يستهلك الوقت بأجمعه . كما يستحبّ أن ينشأ عن الترويح أو أي استثمار لوقت الفراغ نفع خاص أو عامّ ، لأ نّه يكره للشاب أو الشابّة أن يكونا فارغين لا في عمل الدّنيا ولا في عمل الآخرة .
ذات صيف قائظ ، وفي المدينة المنوّرة ، أراد أحد الذين يكيدون بالاسلام وبأئمّته أن ينال من محمّد الباقر (عليه السلام) (حفيد الإمام الحسين ابن علي (عليه السلام) ) حينما رآه خارجاً في حرّ الظهيرة اللاّهب ليعمل في حقله ، فقال له : شيخ من أشياخ قريش «في مثل هذه الساعة في طلب الدّنيا، ماذا لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال؟» فأجابه الباقر (عليه السلام)بما يعطينا درساً ثميناً كشبّان : «أما والله لو جاءني الموتُ وأنا في هذه الحال لجاءني وأنا في طاعة من طاعات الله» !!
0 commentaires: