كتبت دينا ليوني (وهذا هو اسمها، وهي أُم لطفلين، تبلغ من العمر 37 عاماً) مدونات على الإنترنت وملاحظات على موقع "فيسبوك"، تحيط فيها الجميع علماً بمستجدات ما يحدث معها وبالتقدم الذي تلقاه في علاجها. وتلقت دينا الكثير من مشاعر الدعم الفياضة، كما تلقت بطاقات تشجيع ومواساة، وحصلت على المال للمساعدة في دفع تكاليف علاجها وتحقيق أمنياتها.
- خدعة.. ومأساة
كل شيء كان مأساوياً جدّاً، وهو أيضاً كان خدعة!
فقد حققت الشرطة في ادعاءات هذه المرأة، وسرعان ما انهارت قصتها عندما أعلنت المستشفيات التي زعمت أنّها ارتادتها أنّه ليس في سجلاتها ما يفيد بأنّها زارتها. وفي نهاية المطاف، اعترفت ليوني بأنّها تظاهرت بالمرض لأكثر من ثلاث سنوات. وفي الآونة الأخيرة وُجِّهَت إليها اتهامات بالسرقة والتآمر.
ولكن ما الذي يدفع المرء إلى الكذب والإدعاء بأنّه مصاب بسرطان؟
عادةً ما يكون الدافع الرئيس لمثل هذا التزوير كسب تعاطف الآخرين. فالناس يحبون أن يكونوا مركز الإهتمام، حتى تتدفق عليهم الهدايا والأمنيات الطيبة ومكالمات الأصدقاء والمعارف القدامى التي تفيض قلقاً وتشجيعاً.
أحياناً يعتصم البعض بالخداع من أجل أبسط وأحط الأسباب: المال.
فلا شيء مثله يقدر على فتح محافظ نقود المتبرعين تحت عنوان التعاطف مع المرضى أو الجرحى، وقليلون من الناس تدفعهم الجرأة للتساؤل: أين يذهب المال الذي يتبرعون به؟
مثال على ذلك أنّه في عام 1999 أبلغت امرأة من بوسطن تُدعى كريستين أصدقاءها وأفراد عائلتها بأنّها مصابة بالسرطان، فقاموا بتنظيم ماراثون خيري للجري مسافته خمسة كيلومترات من أجلها، ونجحوا من خلاله في جمع تبرعات بلغت نحو 50.000 دولار، ثمّ تَبَيَّن بعد ذلك أنّ المرأة أنفقت هذه الأموال على شراء سيارة جديدة، وعمليات تجميل لها!
في كثير من الأحيان، بطبيعة الحال، تكون ثمّة دوافع متباينة ومختلطة تدفع البعض إلى ادِّعاء المرض، وكل واحد من هؤلاء لديه أسباب كثيرة للإبقاء على تظاهره بالمرض لأطول فترة ممكنة. لكن الحق يقال، إنّ بعض هؤلاء يمكن ان يكونوا مرضى، ولكن ليس بالسرطان، بل بمرض عقلي يعرف بالإضطراب المُتَكَلَّف. هؤلاء الناس يتظاهرون بأن لديهم مرضاً (عادة ما يكون خفيفاً)، وغالباً ما يبذلون جهداً كبيراً للحفاظ على الخدعة.
- متلازمة مانشهاوزن:
قد يكون أمراً قابلاً للحدوث أن ترى أحد أصدقائك أو زميلاً لك في العمل يتمارض من أجل كسب تعاطف المحيطين أو التوقف برهة عن العمل. ولكن ما يُعدّ أكثر الحالات مأساوية هو إشراك الأطفال في هذه الخِدَع. ثمّة نوع واحد من الإضطراب المتكلف، ذلك هو متلازمة مانشهاوزن (Munchausen`s By Proxy)، وهو كناية عن الشخص الذي يتصرف كما لو أنّ الطفل الذي يرعاه هو المريض.
على سبيل المثال، دأب والدا طفلة عمرها سبع سنوات، طوال شطر كبير من حياتها، على أن يبلغا أصدقاءهما وعائلاتهما بأن ابنتهما مصابة بالسرطان. وقد جمعا بذلك من مبيعات الخبز وتبرعات أهل الخير نحو عشرة آلاف دولار، ثمّ ما لبث أن تبين أنّ الطفلة لم تكن مريضة.
وقد بذلت كل جهدها لكي تجعل ابنتها تبدو مريضة؛ إذ حلقت رأس الطفلة لكي تحاكي الآثار الجانبية للعلاج الكيمياوي، وجعلتها ترتدي قناعاً واقياً لها كما لو أنّ الجهاز المناعي لديها في وضع الخطر، بل وأخذت تخدر ابنتها بالحبوب المنومة لجعلها تترنح وكأنها تحت تأثير ضربات المرض ومضاعفاته المتوالية.
الأكثر سوءاً من ذلك أن هذه الام أقنعت ابنتها بأنّها حقاً ستموت، وأنّها أخذتها إلى الأطباء إمعاناً في الإيهام والإيعاز لها بأنّها لن ترى سنوات المراهقة.
هذه الأمراض المزورة قد تترتب عليها آثار بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يعانون حقاً السرطان أو غيره من الأمراض. هناك شخص واحد لم يكن مصاباً بالسرطان حقاً أبلغ دينا ليوني أنّها قلقة من أن إنكشاف خدعتها سيجعل الناس أقل ميلاً إلى تصديق الضحايا الحقيقيين. لكن إذا كان علينا أن نأخذ من التاريخ أي عبرة أو مؤشر، فهي أنّ التعاطف العام والنوايا الحسنة لا تشوبها الإضطرابات المتكلفة.
0 commentaires: