كيف نتغلب على النسيان ونقوي الذاكرة؟

وزنه بين 1300 إلى 1400 جرام، ومتوسّط طول عرضه 140 مم، ومتوسّط طوله 167 مم، ومتوسّط ارتفاعه 93 مم، ويمثل 2% من وزن جسم الإنسان، ولكنّه معجزة أودعها الخالق عند كل منّا، نعيش معه في يقظتنا ونومنا، وبمجرّد أن يحدث له خلل ما تختلط علينا الأمور، وقد نصاب بمرض جسماني أو نفسي.. الدماغ أو المخ تلك المعجزة الربّانية التي نمتلكها، وكثيراً ما نهملها أو نظلمها بالجهل أو القلق أو التفكير الخاطئ، أو نكرمها فنعتني بها فنقوّيها بالتغذية الجيِّدة والتفكير الصائب وتقليل الضغط عليها بالرضا والصبر والتفكير الإيجابي، ومن أحد أهم وظائف تلك المعجزة حفظ الذكريات والتجارب والحقائق التي نتعلّمها وندركها، وهو ما يعرف بالذاكرة، والتي يشتكي من ضعفها كثير من الأشخاص في العصر الحالي، فيبدؤون بنسيان بعض الأسماء أو المواضيع أو الأماكن.
قد تبحث عن نظارتك وهي فوق أنفك، أو قد تنسى اسم شخص قابلته منذ يومين، أو قد تنسى أين وضعت مفاتيح المنزل، أو ما قد اخبرك به ابنك منذ أقل من ساعة، ولكن عندما يتحوّل الأمر إلى مسألة كثيرة التكرار لدرجة قد تؤثِّر على حياتك اليومية فلابدّ وأن تقف وقفة صادقة مع نفسك، وتبدأ في معالجة الأمر بصورة فورية، والجميل في الأمر أنّك تستطيع أن تعيد القوّة لذاكرتك بوسائل مختلفة.
* لماذا ننسى؟
- يرجح الكثير من المختصين إنّ من أهم أسباب النسيان هو عدم الإنتباه وقلة التركيز أثناء تلقي معلومة معينة، مما يؤدِّي إلى تخزينها بطريقة خاطئة، فلا نستطيع استرجاعها عند الحاجة إليها، وهناك عدد من الأسباب الأخرى، منها ما يطلق عليه نظرته الاضمحلال (Decay Theory)؛ حيث إنّه مع الوقت نشعر بعدم القدرة على استرجاع معلومة معيّنة، على الرغم من إدراكنا أنّنا نعرفها، وذلك بسبب ضعف الإشارات العصبية في الدماغ التي تنقل المعلومة، وخاصة عند التقدّم في العمر.
- حدوث تشابك بين معلومة جديدة وأخرى قديمة مخزنة، وخاصة عندما تكون المعلومات متشابهة نوعاً ما، وهناك نوعان من هذا التشابك؛ أحدهما: تتغلّب فيه الذكريات القديمة على الحديثة وتجعل من الصعب تذكرها، والنوع الآخر: يحدث بالعكس حيث تتغلّب المعلومات الجديدة على الذكريات القديمة، وتجعل من الصعب تذكرها.
- الفشل في تخزين المعلومة بالطريقة الصحيحة، كأن نقوم بتخزين معلومة جزئية عن شيء معيّن، ولا نخزنه بشكل متكامل، مما يجعله يخزن في مكان خاطئ، ونجد صعوبة عندما نحاول استرجاع تلك المعلومة.
- محاولة الشخص نفسه نسيان أمر مرّ به، وخاصة إذا كان هذا الأمر محزناً أو مؤلماً، فهو يحفز ذاكرته على التخلّص من تلك المعلومة التي لا يريد أن يتذكرها، وقد تكون هناك أسباب صحية أو عاطفية أو أزمات شخصية وراء ضعف الذاكرة.
* كيف نتغلّب على النسيان؟
1- مما يساعد على مقاومة النسيان، كثرة ذكر الله عزّوجلّ من التسبيح، قال الله تعالى: (... وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) (الكهف/ 24)، والتسمية عند كل عمل، والإستعاذة من الشيطان، لقوله تعالى: (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) (يوسف/ 42).
2- كلمة السر في محاربة النسيان "التركيز والإنتباه"، وهي مهارة تحتاج إلى بعض التدريب حتى يتم إتقانها، فالإنتباه يمكّن الدماغ من تخزين المعلومة بطريقة صحيحة مما يسهل معه استرجاع المعلومة عند الحاجة إليها، ولهذا ينصح بعدم القيام بمهمتين في آن واحد عند الحاجة للإنتباه ومع عدم المقاطعة عند تعلُّم معلومة جديدة.
3- القيام بتمرين الدماغ، وذلك بتعريضه لتحدّيات معيّنة كإستخدام آلة جديدة أو تعلّم مهارة جديدة، وممارسة بعض الألعاب التي تحتاج إلى تفكير، بل يذهب البعض إلى التغيير بين الأيدي في الكتابة، كأن تكتب بعض الكلمات بيدك اليسرى إذا كنت تستخدم اليمنى في الكتابة وبالعكس كنوع من التمرين والتحدّي.
4- الحواس التي نملكها لها وظيفة مهمّة في تقوية الذاكرة، حيث إنّنا يمكن ربط معلومة معيّنة بلون معيّن أو رائحة معيّنة أو ملمس معيّن، مما يسهل تخزينها ومن ثمّ استدعائها.
5- تحويل المعلومة إلى صورة يسهل التعامل معها ومن ثمّ تخزينها، وهنا يفضل تفصيل شكل معيّن للمعلومة، ومن ثمّ النظر لها ومحاولة تخزينها بالشكل المرسوم.
6- معرفة الطريقة المثلى لتلقي المعلومة عند كل منّا أمر مهم، فهناك من يسهل عليه تلقي المعلومة بواسطة السمع، وآخرون بواسطة النظر، ولهذا فإمّا أن يقرأ بصوت عالٍ أو يستمع لشريط معيّن أو يحوّل المعلومة إلى لوحة بسيطة يسهل التعامل معها وحفظها بالنظر.
7- النظام يسهل علينا الكثير من أمور حياتنا، فكما نقوم بترتيب أحد الأدراج ليتسنّى لنا أخذ ما نحتاجه منه بسهولة، كذلك ترتيب المعلومات عند تخزينها، مما يسهل استدعاءها عند الحاجة لها، وهذا يأتي عن طريق ترتيب الأفكار والتسلسل فيها ووضعها في مكانها المناسب من الدماغ، كما أن ترتيب مكان المعيشة والعمل يسهل تذكر أماكن الأشياء التي نريدها.
8- استخدام الوسائل السمعية أو البصرية لحفظ المعلومة كالكتيبات الصغيرة وآلات التسجيل أو المذكرات في الهواتف النقالة والمذكرات أو قصاصات الورق التي توضع في مكان واضح للتذكير بالقيام بعمل ما، أو كتابة قائمة بالمهام المراد القيام بها.
9- استخدام حاسة البصر لتصوير موقف ما وتخزينه على شكل صورة من أجل سهولة تذكّره، مثل أخذ صورة بالعين لمفاتيح السيارة عند وضعها على الطاولة أو في مكان ما.
10- التحدّث مع النفس عن شيء يراد تذكره، كأن تقول: لقد قمت بتوقيف السيارة بعد مدخل موقف السيارات جهة اليمين بجانب العمود الأحمر، وهكذا.
11- ربط الأحداث والأشخاص والأسماء بأشياء أخرى مخزنة في العقل كأماكن معروفة أو شخصيات مشهورة أو ذكريات قديمة مخزنة وتتذكرها، فعندما تقابل شخصاً وتريد ان تتذكّره لاحقاً قم بربطه بشخص آخر تعرفه جيِّداً، كأنّ يكون له نفس الإسم أو الصفة نفسها، فمجرّد محاولتك للربط بينهما سيسهل تخزين المعلومة بشكل صحيح ويسهل استرجاعها.
12- القراءة مهمة جدّاً في عملية حفظ واسترجاع الكلمات، فقد تكون كثرة النسيان لكلمات معيّنة بسبب عدم رؤيتها بصورة مستمرة.
13- التعامل مع القلق والضغوط بشكل مباشر، وعدم إعطاء تلك المشاعر والأحاسيس الفرصة للتأثير على حياتنا ومن ثمّ على عقلنا وذاكرتنا.
14- ممارسة الحياة بشكل صحّي، مثل تناول الوجبات المغذية والغنيّة بالفيتامينات والمعادن، وتقليل الدهون التي قد تعيق تدفق الدم في الجسم، تناول الماء بالكمية التي يحتاجها الجسم، فالجفاف يؤثِّر على مهارات التفكير، كما يفضل ممارسة الرياضة بشكل منتظم، فالرياضة وممارسة التمارين تحسِّن الدورة الدموية للجسم، وتزيد من نسبة الأكسجين في أعضاء الجسم المختلفة، والتي منها المخ والحصول على قسط معقول من النوم.
15- هناك نوعان من الذاكرة، ذاكرة قصيرة الأجل، وهي التي نتذكّر بها الأشياء التي حدثت خلال دقائق معدودة، وهي التي تمكنّا من تكملة جملة ما حتى نصل لنهايتها، وهناك ذاكرة طويلة الأجل، وهي تلك التي نخزن فيها المعلومة بعد مرور وقت عليها، وهي تلك الذاكرة التي نخزن فيها تجاربنا وذكرياتنا، وما تعلّمناه وما نقوم بعمله وحقائق الحياة المختلفة، ولهذا ينصح أن نقوم بالإحتفاظ بالمعلومة لفترة وجيرة في منطقة الذاكرة قصيرة الأجل والتفكير فيها قبل أن نحوّلها إلى منطقة الذاكرة طويلة الأجل لتخزينها.
16- تقليل نسبة الكافيين والنيكوتين الداخلة للجسم والتي تؤثِّر على الشرايين ونسبة الأكسجين في الدم، وتؤثِّر بالتالي على وظيفة الدماغ.
17- تغذية الدماغ بالمعلومات الجديدة عن طريق القراءة أو مشاهدة البرامج التعليمية أو حضور الدورات المختلفة.
18- الاستماع الجيِّد وسيلة مهمة للتذكُّر، فالشخص الذي ينصت بإهتمام وتركيز تكون لديه مقدرة أكبر لإسترجاع ما سمعه بسهولة.
قد يكون النسيان في بعض المواقف نعمة وقد نحرص عليه، وقد نحاول أن نتغلّب عليه في مواقف أخرى نقوّي ذاكرتنا، ولكن هناك نسيان يجب تجنّبه بل ومحاربته، قال تعالى: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طه/ 123-126).
abuiyad